لماذا لا يطالب العرب بإعتذار عن مجازر العثمانيين وسرقاتهم وبيع أراضينا للأوروبيين كما فعل الأرمن؟
حجم الخط
كتب د. عبد الحميد سلوم مقالاً في Arab Times Blogs بعنوان “لماذا لا يطالب العرب أسوة بالأرمن باعتذار الأتراك عن مجازر العثمانيين” أشار فيه الى أن هذه السنة تصادف الذكرى المئوية الأولى لمجازر العثمانيين بحق الأرمن والتي وصفها بابا الفاتيكان في عظة عيد الفصح في 5 نيسان بأنها أول عملية إبادة جماعية حصلت في القرن الماضي Genocide .. ↔ (وهذا موضع خلاف وحساسية مع اليهود الذين يعتبرون جرائم النازية بحقهم هي أول عملية إبادة جماعية في القرن الماضي) ويُحيي الأرمن ذكرى هذه المجازر كل عام بمسيرة شموعٍ ليليلة ضخمة ومهيبة في الثالث والعشرين من نيسان تنطلق من وسط المدينة وحتى النُصُب التذكاري لضحايا المجزرة على هضبةٍ مرتفعة على أطراف العاصمة يريفان ، ثم زيارة رسميةٍ وسط مواكب شعبية ورسمية ضخمة في اليوم التالي يتقدمها رئيس الجمهورية وكاثوليكوس عموم الأرمن وكافة مسئولي الدولة ويضعون أكاليل الورود عند النُصُب التذكاري ..
وأوضح أن الأرمن، هذا الشعب العريق في التاريخ لم ينسى المجازر البشعة التي ارتكبها العثماني بحق أجداده، ليس بهدف الثار ولا التعويض المادِّي، وإنما في سبيل اعتراف أحفاد العثمانيين – أتراك اليوم – بهذه المجازر والاعتذار عنها كنوعٍ من النَدَم حتى لا تتكرّر مرّة ثانية وحتى يكون هناك نوع من تأنيب الضمير إزاء عملية إبادة جماعية ارتُكِبَتْ بحق شعبٍ أو سلالةٍ بشرية ..ولفت أن الأرمن بذكائهم ومتابعتهم وثَّقُوا تلك الجرائم وأحدثوا مؤسسات بحثية وعلمية كبيرة لهذا الغرض وتمكنوا بإرادتهم ومثابرتهم من إقناع العالم الغربي وشعوب أمريكا اللاتينية بوقوع هذه المجازر وحصلوا على اعترافات كافة برلماناتها تقريبا بذلك ، حتى أن برلمان اليونان أصدرَ قانونا مؤخرا يُجَرِّمُ فيه كل من لا يعترف بمجازر الأرمن ، والاتحاد الأوروبي (الذي اعترف بإبادة الأرمن)وكافة دولهِ تطالبُ تركيا الاعتراف بتلك الإبادة الجماعية والاعتذار عنها .
صورة من فترة إحتلال الدولة العثمانية للبنان، تحديدا جبل سكاف |
أما عن رد الفعل التركي فقال إنه جاء على لسان الرئيس التركي أردوغان إذ عبّرَ عن رفضهِ الكامل بالاعتراف بتلك المجازر .. وهذا أمرٌ متوقّعٌ لاسيما أن أردوغان من أكثر الساسة الأتراك مباهاة وافتخارا بتاريخ أجداده العثمانيين وتعصُّبا لهويته القومية التركية ، وهو اليوم يسعى بكل جهده إعادة أمجاد الماضي العثماني على حساب التدخل بالشأن العربي في كل مكان وتَزَعُّم العرب من خلال أحزاب إسلاموية موالية له ومبايعتها له زعيما على الأمة ، على حساب محو هوية الأمة العروبية وطمسها من الوجود ، وهذا ما كان يسعى العثماني لهُ دوما ..
سياسة التجويع التي إنتهجها الوالي العثماني في لبنان |
وعن الموقف العربي أوضح سلوم أن برلمانات العرب ومجالس الشورى في البلدان العربية هي الوحيدة التي لم تُدرِج على جداول أعمالها مجازر العثمانيين ، ليس بحق الأرمن والسريان والكلدان والآشوريين وسواهم ، وإنما على الأقل بحق أبناء العروبة من العرب الذين قضوا في مجازر يندى لها جبين البشرية على يد العثمانيين خلال 402 سنة من استعمارهم البشع للأرض العربية والشعوب العربية ، تضليلا وكذبا وافتراء باسم الدين الذي لم يكن لممارسات العثمانيين وسلاطنتهم علاقة به بمثقال ذرة ..إلا إن كان لارتكابات داعش اليوم علاقة به !..
وتساءل الكاتب: “فلماذا لا تقوم البرلمانات العربية ومجالس الشورى العربية والحكومات العربية بالضغط لنزع الاعتراف من الأتراك بجرائم العثمانيين أسوة بما تُطالبُ به أبناء العرقيات والقوميات الأخرى؟” حيث أدرج عدة نقاط تبين معاناة العرب وتعرضهم للاساءة والمجازر والجرائم من قبل الأتراك على النحو التالي:
“*لا أدري هل نسيَ آل سعود ما فعلهُ العثمانيون بحق أجدادهم وما ارتكبوه بهم من قتلٍ وتشنيع ، والطريقة المهينة والبشعة التي قتلوا بها عبد الله بن سعود ثم طافوا به ثلاثة أيام في أسواق الآستانة بعد أن قضى حُكّام مصر بأمرٍ من العثماني على دولة آل سعود الأولى ؟.
*هل نسيَ العرب مجازر السلطان سليم بحق أربعين ألفٍ من أبناء العروبة في مناطق حلب والمعرّة وغيرها حينما دخل تلك المناطق عام 1517 بعد انتصاره على سُلطان المماليك ، ودفنهم أحياء في الآبار والحُفُر ؟. هل نسي العرب ما ارتكبَه العثماني من مجازر بحق أبناء عروبتهم من المسيحيين والدروز والعلويين ؟. سبع مذابح بحق المسيحيين منها ثلاث في دمشق وأربعٌ في حلب ، و سبع مذابح بحق الدروز ، و ستُّ مذابح بحق العلويين .. فألا تتطلّب مشاعر العروبة التي يتحدّثون عنها اليوم مطالبة التركي حفيد العثماني الاعتراف بهذه المجازر والاعتذار عنها أسوة بما يُطالب به الأرمن والسريان والآشوريين والكلدانيين ؟. بل لماذا لم تقُم الحكومات السورية مباشرة ومنذ رحيل المُحتَل التركي وحتى اليوم في تصنيف تلك الجرائم وتوثيقها أسوةً بما فعلهُ الأرمن وأبناء القوميات الأخرى ومطالبة تركيا بالاعتذار .. للأسف هناك من يعتبرون احتلال العثماني لبلاد العرب أكثر من أربعمائة عام أنه تاريخ مشترك بينما هو في الحقيقة تاريخ مُستعمِر ومُستعمَر ، إلا إن كان استعمار فرنسا وبريطانيا لبلاد العرب هو تاريخ مشترك .. فعلى الأقل هذا المُستعمِر الغربي قام بإنجازات في البلدان التي استعمرها بينما العثماني لم يقم إلا بفرض كل أشكال الجهل والتخلف والتحريض الطائفي والمذهبي والعشائري والقتل على أسس دينية ومذهبية وجمْعِ الخِراج وتفريغ البلدان العربية من حرفييها لينقلهم للبناء والعمل والتطوير في استنبول ..
*ليست الغاية من المطالبة بذلك هي للثأر والانتقام ولا لفتح الجِراح وإنما لضمانِ عدم تكرار هذه المجازر الجماعية التي انحدرت لمستوى الإبادة الجماعية وعدم وقوعها مرّة ثانية ، فهذه جرائم بحق البشرية وكان العثماني أول من ارتكبَ هذه المجازر على النحو المعروف والموثّق بالتاريخ .
*بل الجريمة الكبرى التي ارتكبها العثماني ولا يتحدّثُ عنها إلا القليلون ، وهي موثّقة في التاريخ ، أنهم جاءوا بتسعين ألف عائلة ، أو ما يُقارب مليون نسمة من العشائر التركية وأسكنوهم بلاد أهل الشام من أنطاكية وحتى فلسطين بهدف تغيير البنية الديموغرافية ليكون الأتراك هم الغالبية ، وجعلوهم أسيادا على العنصر العربي .. ومن هنا أتمنى على الجميع العودة لتاريخ العائلات الإقطاعية في بلاد الشام وحتى مصر ليكتشفوا أنها في غالبيتها تعود لأصول غير عربية .. وليكتشفوا أن غالبية الأحزاب الإسلاموية التي تطالب بعودة الخلافة التركية وتدينُ بالولاء للتركي وتمتدح الحكم العثماني، غالبية قياداتها ليست من أصول عربية ..”.
وتساءل سلوم “أفألا يجدرُ اليوم بكل من يدّعون أنهم يحملون يافطة العروبة على امتداد الوطن العربي من الوقوف عند كل ذلك ومراجعته ومطالبة التركي بالاعتراف والاعتذار كنوعٍ من التأكيد أنهم فِعلا يغارون على العروبة وعلى أبناء العروبة وليست العروبة لديهم سلعة للبيع والشراء بحسب ما تقتضي مصالح العروش وكراسي الحُكم ؟. هذا امتحانٌ لهم وإن رسبوا به فالأجدى أن لا يأتوا بذكر العروبة على ألسنتهم .. فالعروبة لا تتجزّأ .. ومجازر الإبادة الجماعية التي تُعتَبر مجازر بحق الإنسانية لا يُنسيها تقادُم الزمن .. وإلا كيف يمكن محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليون ..”.
وخلص الى أنه ربما هناك من سيتذرعون بالعلاقات الجيدة مع تركيا في هذا الزمن ويرفضون طلب الاعتذار منها ولكن هذا شيء والاعتذار عن جرائم جماعية بحق البشرية شيء آخر .. فاليوم تحتفل ألمانيا إلى جانب فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة بإحياء ذكرى الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء وإنزال النورماندي، وهم أصدقاء لألمانيا الحالية ولا يؤثر ذلك على صداقتهم والألمان اعتذروا عن الجرائم التي ارتُكِبت في زمن النازية .. وقال: “فلِمَ لا تعتذر تركيا عن المجازر المُرتَكبة بزمن العثمانيين ؟..”.