«نعيش مع عايلتي في خيمة»: هربا من الكورونا.. تونسييون يستقرون في الصحراء
حجم الخط
منذ انتشار فيروس كورونا المستجد في العالم، وعجز الأطباء عن وجود دواء أو لقاح يحدّ من انتشار الفيروس، بات الحل الأنسب لتجنب العدوى هو ملازمة البيوت، لكن من الصعب البقاء في البيت لفترة طويلة دون الحاجة للخروج، خاصة في المدن والعواصم التي تعجّ بالناس، نظراً للخدمات والأسواق الكبرى والمرافق الحيوية المتوفرة فيها، الأمر الذي جعل بعض التونسيين يهجرون المدن ليستقروا في البادية، هرباً من كورونا، وما قد يسبّبه من خطر على حياتهم. ↔
"البادية ملجأ آمن"
على بعد 450 كلم تقريباً عن العاصمة تونس، تحديداً في منطقة بني خداش من محافظة مدنين بالجنوب الشرقي، اختار بعض سكان المدينة الرحيل إلى البراري، خاصة بعد أن بلغ عدد المصابين في المحافظة 57 شخصاً.
دبّ الهلع بين سكان المحافظة، وباتوا لا يفكرون سوى في حل يبعدهم عن شر الوباء، واختار بعضهم الابتعاد عن المدينة وصخبها.
في الطريق الريفية المؤدية إلى صحراء الظاهر، ترى شاحنة محملة بالمؤونة، الفرش، المواعين، خيمة صغيرة وأفراد عائلة العم حامد سالمي (61 عاماً)، صاحب متجر للمواد الغذائية وسط المدينة، الذي اختار غلقه، والمغادرة نحو أرض أجداده البعيدة التي لم يزرها منذ سنوات.
"المنزل خيمة أمي"
وقفت الشاحنة في المكان المقصود، فنزل جميع ركابها يتطلعون حولهم بغية اكتشاف مكان سكناهم الجديد، فكأنهم استفاقوا من حلم طويل ليصطدموا بواقع غير متوقع، إلا أن العم حامد قاطع شرودهم هاتفاً: "هيا أنزلوا الأغراض لنشرع في بناء الخيمة، لا تقلقوا ستتعودون على المكان بل ستحبونه كثيراً".
"نحن أبناء هذه الأرض وحتمت علينا الطبيعة الرجوع إليها شئنا أم أبينا، ولا يسعنا إلا التأقلم مع حياتنا الجديدة، صعبة ولكنها مريحة نفسياً، فضلاً عن خلوّ المكان من مخاطر العدوى"
انهمك الجميع في إنزال الأغراض أولاً بأول، وشرعوا في نصب الخيمة الصغيرة المصنوعة من شعر الماعز وصوف الخرفان، التي ورثها العم حامد عن أمه، ولم يتخل عنها أبداً، فقد خصص لها زاوية من منزله في المدينة، رغم محاولات زوجته وأبنائه التخلص منها
انتصبت الخيمة، وضع الفراش داخلها، صفت المواعين، وجلس الجميع، وابتسامات تعلو محياهم، فهدوء الطبيعة وبساطة العيش هنا لا يمكن أن يقارنا بصخب المدن وضجيجها.
تجيب ابنته مريم (18 عاماً)، تدرس في المرحلة الثانوية العامة: "المكان رائع يا أبي أحببته جداً، لكن أين الإنترنت"، تقاطعها أمها ضاحكة: "المكان لا يتلاءم والتكنولوجيا صغيرتي، فرصة كي ترتاحوا من مساوئها قليلاً، ونتعرف على بعضنا البعض".
ضحك الجميع وخرجوا من الخيمة يستطلعون المكان، ويلقون بنظرهم نحو السهول والجبال التي تفوح منها رائحة الإكليل والزعتر، وتكسوها أزهار بشتى الألوان.
بينما يلعب أخوها سليم وأختها سلمى بالكرة خارج الخيمة، ويجلس والدها وسطها ينتظر نضج الطعام، ويُعدّد مزايا الحياة البرية على مسامعهم، بغية إقناعهم بخياره.
يقول حامد لرصيف22: "وباء كورونا اللعين لا دواء له إلا الابتعاد عن الناس قدر الإمكان، ولا يمكن أن يتم ذلك في المدن، نظراً لنسق الحياة السريع والمترابط، لذلك قررت الهروب لإنقاذ نفسي وعائلتي".
"حياة المدن مملة ومتعبة"
في الجهة الثانية من الجبل في صحراء الظاهر، ترى غرفة من حجارة وطين وسقفها من حطب، تخالها مهجورة منذ سنين، لكن حال اقترابك منها تسمع ضجة بشر، فتعرف فوراً أن حياة توجد في هذا المكان المعزول.
في الغرفة تسكن عائلة العم مسعود (50 عاماً) الذي أتى هو الآخر من المدينة ليستقر في البادية، خوفاً من عدوى الفيروس المستجد، يقول لرصيف22: "نحن أبناء هذه الأرض وحتمت علينا الطبيعة الرجوع إليها شئنا أم أبينا، ولا يسعنا إلا التأقلم مع حياتنا الجديدة التي لا أخفيكم سراً أنها صعبة، لكنها مريحة نفسياً، فضلاً عن خلوّ المكان من مخاطر العدوى".
وتضيف زوجته سالمة: "الحياة هنا صعبة لمن لم يتعود عليها، لكنها ليس أصعب من فقدان عزيز علينا بسبب كورونا لا قدر الله، فالفيروس يحصد أرواحاً بالآلاف يومياً".
غير بعيد عنهم يقف أبو القاسم (65 عاماً) راع يقطن هنا منذ سنوات يرعى غنمه، ويتطلع حوله، فقد أصبح المكان عامراً بعد أن كان خالياً تماماً إلا منه وأغنامه وبعض الكلاب.