سفير فرنسا الأسبق: علاقتنا مع تونس كانت سيئة فترة بن علي وهدد بقطعها وكان يعتبر ملاحظاتنا مس من السيادة
حجم الخط
"سنواتي مع بن علي" هو عنوان مذكرات سفير فرنسا الأسبق بتونس، إيف أوبان دو لا ميسوزيار "Yves Aubin de La Messuzière" والتي كشف من خلالها كواليس العلاقات التونسية الفرنسية والتي تحولت من جيدة إلى جامدة وهو وصف يستعمل في الدبلماسية لتجنب القول "سيئة".. وقد سلط الضوء خلالها هذا الكتاب أيضا على فترة توليه مهام سفير بتونس من 2002 إلي 2005 عندما أرسله الرئيس الفرنسي الراحل "جاك شيراك" لمحاولة إصلاح العلاقة، وكان العنوان الأول بصحيفة "Le Canard Enchaîné" بأن هذا التعيين سيزيد الأمور تعقيدا ولن يصلحها وسيكون كابوس النظام بإعتبار "دو لا ميسوزيار" مدير شمال فريقيا بالـ"Quai d'Orsay" أي الخارجية الفرنسية، تجمعه علاقات كبيرة بالمجتمع المدني وبمعارضي بن علي والنظام في تونس...
وفي شهادته في برنامج "مذكرات" على التلفزيون العربي، روى السفير الأسبق أول لقاء له مع الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي، خلال مراسم تسليم أوراق الإعتماد حيث قال: "وجدت نفسي أمام شخصية لم تكن بكاريزما الزعيم بورقيبة الذي كان صديق مميز لفرنسا ولكنه كان شديد الكتمان ويضهر على طريقة كلامه وحديثه تكونه العسكري والمخابراتي.. وقد قال لي حينها كلمة لم أفهمها في الحين (آمل أن تفهم تونس وتنوع تركيبة شعبها) ولكنه كان سعيدا لأني أجيد العربية وأفهم التوازنات في المنطقة خاصة مع النظام الجزائري والذي كان في حرب باردة ومخابرتية مع فرنسا ولكنه حليف قوي لبن علي"
وتابع السفير: "في أو مكالمة لي مع الرئيس شيراك والذي كان خلافا لميتيران حريصا على ضرورة تحسين علاقات تونس وفرنسا التي كانت تشهد برودا كبيرا، نصحته بضرورة دعوة بن علي أو حتى تكثيف الإتصالات الهاتفية معه فبن علي لم يكن يحب التنقل خارج البلاد.. وكانت فرنسا في تلك الفترة كانت حريصة على ضرورة بقاء النظام للحفاض على إستقرار المنطقة وكانت تلك هي نظرة شيراك عموما الذي عارض حتى غزو العراق"
وكشف دو لا ميسوزيار عن حادثة حصلت في تلك الفترة حيث وجهة تونس رسالة شديدة اللهجة للإليزي وقد سلمتها السفيرة التونسية السابقة بباريس فائزة الكافي، وحذرة تونس أنها ستقطع العلاقات إذا تواصل تدخل فرنسا في الشؤون السياسية التونسية ودعم المعارضة وفتح المنابر الإعلامية الفرنسية لـ"تشويه تونس" حسب نص الرسالة.. وقد طلب دو لا ميسوزيار لقاءا بعبد العزيز بن ضياء بعد هذه الحادثة مباشرة ليبلغه إستياء الرئيس شيراك ولكن "إلتزمنا بما طلبه التونسييون" حسب مذكرات السفير وتم عزل فائزة الكافي عن منصبها لأن جاك شيراك لم يعد يثق فيها كما أنها كانت ضالعة في صراعات السلطة بين بن ضياء وعبد الوهاب عبد الله وكانت فرصة للتخلص منها من قبل بن ضياء.
كما قال السفير: "خلال فترة توليا لمهام سفير فرنسا بتونس، كانت أبواب السفارة مفتوحة أمام جميع السياسيين والذين يعتبرهم النظام معارضين ولكنني كنت ألتقي أيضا بمكونات معارضة البرلمان وكانت الخارجية تحثني دائما على إستقبال الجميع بما فيهم التيارات الإسلامية.. وكانت فرنسا تقدم نصائح وملاحضات لبن علي ولكنه كان يرفضها ويعتبرها مس من السيادة الوطنية مما أبقى على حالت الجمود في العلاقات"
أما بعد الأحداث الإرهابية بجربة والتي راح ضحيتها تونسييون وفرنسييون والمتمثلة في تفجير إنتحاري بالغريبة.. قال السفير أن من هنا بدأ طور جديد في علاقات بلدينا وإنطلقت حرب باردة بين مخابرات بن علي والـDGSE (الإدارة العامة للأمن الخارجي بفرنسا) حيث تعاملت معنا مصالح المخابرات التونسية لحالة "إنكار الحقيقة" حسب قوله.
وتجدر الإشارة أن بن علي وخلال "تحول السابع من نوفمبر 1987" أو "الإنقلاب الطبيي" على بورقيبة أبلغ الولايات المتحدة الأمريكية قبل 3 أيام والجزائر قبل أبوع ولم يبلغ فرنسا سوى بعد نجاحه في نقل السلطة وكان حينها ميتران رئيسا وشيراك رئيس وزرائه في أول "cohabitation" وهذا بشهادة وإشجماع كل من عاصروا تلك المرحلة.