إهتمام خاص من البيت الابيض: ديون تونس مقابل التطبيع مع اسرائيل.. قيس سعيد في موقف محرج !
حجم الخط
أصدرت رئاسة الجمهورية بلاغا اتسم بطابع “دبلوماسي” جلي أكّد تلقّي الرئيس قيس سعيّد، بعد ظهر يوم أمس الثلاثاء 11 ماي 2021، اتصالا هاتفيا من نائبة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية كامالا هاريس.
وجاء في بلاغ رئاسة الجمهورية، أنه تم خلال المحادثة استعراض روابط الصداقة المتينة والراسخة القائمة بين تونس والولايات المتحدة الأمريكية واستحضار المحطات التاريخية الكبرى التي ميّزتها وكذلك الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تشهدها تونس، مع التأكيد، بالخصوص، على ضرورة مقاومة الفساد كركيزة لبناء دولة القانون والديمقراطية.
ووفق البلاغ عبّر رئيس الدولة خلال المحادثة عن تطلّعه إلى مزيد تطوير علاقات التعاون والشراكة بين البلدين في شتى المجالات، لا سيّما في هذه الظروف العصيبة التي يمرّ بها العالم عموما وفي ظلّ الظرف الاقتصادي والمالي الذي تشهده تونس على وجه الخصوص.
ونشر البيت الابيض عبر موقعه الرسمي في ذات اليوم تفاصيل المكالمة الهاتفية مبرزا أن محادثة كامالا هاريس مع الرئيس قيس سعيد تضمّنت التزام الولايات المتحدة القوي بمساندة تونس وذلك بالتوازي مع تطرق نائبة رئيس الولايات المتحدة الامريكية إلى تعهدات تونس بالإصلاح الاقتصادي وسط التحديات التي تفرضها جائحة كوفيد – 19 واعرابها عن دعمها مناقشات تونس مع صندوق النقد الدولي اضافة الى ابراز أهمية استمرار التعاون الأمني.
وبعيدا عن القراءة الدبلوماسية، فانه من الواضح ان تركّز المحادثة أساسا على الجانب الاقتصادي يحيل بشكل محقق الى ابداء راي الولايات المتحدة في التحديات المالية الحرجة التي تشهدها تونس في سياق عدة معطيات جغراستراتيجية اقليمية ودولية أبرزها النزاع المستجد في الشرق الاوسط بين حماس واسرائيل وتطور الاوضاع في المغرب العربي، على نحو عام.
ويحيل توقيت الاتصال الهاتفي بين الجانبين الى مسألتين جد مهمتين أولهما فشل الجولة الاخيرة من مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي وهو أحد أهم أذرع الرأسمالية البنكية في العالم وثانيهما انطلاق وكالات التصنيف المالي في بداية رسم ملامح فرضيات عجز تونس عن خلاص ديونها وتداعيات ذلك على ماليتها العمومية وقطاعها المصرفي في سياق تحليل أصدرته يوم أمس “ستندارد اند بورز” وهي هيئة تصنيف ائتماني امريكية نافذة ومعتمدة دولية.
كما يحيل الموضوع بالتأكيد مرة أخرى الى موقع تونس في الخريطة السياسية والاقتصادية الاقليمية والدولية سيما في ما يتعلق بكبريات القضايا الحارقة في العالم وأهمها الانفتاح على مقتضيات سياسات الدول الكبرى وذلك أساسا في الجانب الاقتصادي والمالي والتكنولوجي وموقفها من اقتراح الاتحاد الاوروبي للمصادقة على اتفاقية التبادل المعمق والكلي والحر “اليكا” والانخراط في جهود محاربة الارهاب وتحديد بوصلتها في ما يهم مآل الحركات المتطرفة والاخوان المسلمين بشكل خاص في أهم مواقع تواجدهم باعتبار تصنيفهم خارج المنظومة “الديمقراطية” من قبل قوى عديدة في العالم الى جانب رسم التصورات في ما يهم مشروع الشرق الأوسط الكبير وأحد أبرز أسسه وهي التطبيع مع اسرائيل.
وفي الحالة التونسية، تراوحت مواقف الأحزاب السياسية في تونس بين صمت من لا يرى ضررا في التطبيع وبين مزايدة آخرين على الدول التي طبّعت مؤخرا خاصة الإمارات العربية المتحدة على سبيل المناكفة لا غير.
يذكر أن قيس سعيّد قال في حملته الانتخابية “إن التطبيع خيانة” وأعلن أنّ “تونس في حرب مع إسرائيل”. وقد توقع كثير من التونسيين أن يرفض الرئيس التطبيع مع إسرائيل رفضا قاطعا. ولكنّ تحليل مواقفه من “التطبيع” يحيل الى مفارقة واضحة بين الرغبة المبدئية في رفض التطبيع وبين إكراهات الواقع وتعقيد وضع تونس دوليا ومحليا.
فالرئيس سعيّد، المسؤول عن السياسة الخارجية للبلاد، توقّف بعد انتخابه عن رفع شعار التطبيع خيانة وفي معرض حديثه عن التطبيع الإماراتي مع إسرائيل أعلن أنّه يحترم سيادة الدول وقراراتها. زد على ذلك أنّه ساند الموقف الرسمي التونسي الرافض لإدانة التطبيع الإماراتي مع الكيان عند امتناع ممثل تونس عن التصويت لمشروع القرار الفلسطيني في الجامعة العربيّة. غير أنّ الملاحظين يستبعدون إمكانية جنوح الرئيس إلى التطبيع في المدى القريب.
وأمام التحدّيات الاقتصادية والسياسية المتفاقمة وتعاظم دور الدائنين من دول ومؤسسات دولية، يرى مراقبون أنّ الدوائر العالمية المؤثرة سياسيا في مجال التطبيع وامتداداتها في أوساط الدائنين قد تضغط على الطبقة السياسية في تونس والمحتاجة إلى الديون الخارجية، لدفعها نحو التطبيع نظرا إلى سعي هذه الطبقة إلى إطالة أمد حكمها ونفوذها ولو كان ذلك بثمن سياسي “باهظ” هو التطبيع. وللتذكير بوضع المديونية المرهق، فقد ذكر “جيري رايس” الناطق الرسمي باسم صندوق النقد الدولي صراحة انه لا علم له برزنامة اقراض لتونس وهو الذي يعلم جيدا انها تحتاج في المدى القريب لما بين 3 و4 مليارات دينار على الأقل لضمان بقاء اقتصادها.
فهل ستكون الديون ورقة ضغط على الطبقة السياسية المحلية في تونس للتطبيع؟