أخيرا: الحكومة تصادق على مرسوم متعلق بالإنطلاق في مشروع خوصصة المؤسسات العمومية
حجم الخط
كريمة السعداوي: صادق مجلس الوزراء المنعقد يوم الخميس الفارط 9فيفري الجاري على مجموعة من مشاريع المراسيم والاوامر تعلقت بمحاور مختلفة تخص النشاط الاقتصادي بالأساس، كان اهمها مشروع المرسوم المنقح للقانون المتعلّق بالمساهمات والمنشآت والمؤسّسات العموميّة وإتمامه.
وشكلت مصادقة مجلس الوزراء على هذا المرسوم خطوة كبيرة للانطلاق في برنامج خوصصة المؤسسات العمومية والتي يقدر عددها بـ 111 مؤسسة وذلك باعتبار ان محاوره الاساسية، والتي يصر صندوق النقد الدولي على اعتبارها احد اهم عناصر “الاصلاحات الهيكلية”، ترتكز على فتح رأس مال هذه المؤسسات لما يسمى بـ”الشركاء الاستراتيجيين” الى جانب احداث هيئة حكومية لإدارتها تتكفل بمراجعة طرق التصرف فيها لا سيما في ما يخص انتداب المسيرين وتأجيرهم وتغيير مناهج إبرام الصفقات وادخال المزيد من “المرونة” على عمل مجالس ادارتها.
كما يرمي المسعى الحكومي، بشكل أو بآخر، لتنفيذ خوصصة المؤسسات العمومية الى تحجيم دور الاتحاد العام التونسي للشغل كإحدى اكثر القوى المسيطرة عليها وهي التي يستمد فعليا نفوذه من تواجده فيها عبر نقاباته.
تجسيم املاءات الدائنين بخلق طبقة جديدة من المسيرين
كان محمد عبّو زمن توليه وزارة الوظيفة العمومية في حكومة الياس الفخفاخ من فيفري الى أوت 2020 هو أول من طرح موضوع تغيير مقتضيات قانون 89 المنظم لتسيير المؤسسات الحكومية وذلك في اتجاه تطوير “حوكمتها” وتحسين أداءها وتحويل تصرفها تدريجيا نحو الطرق المعمول بها في القطاع الخاص.
ويرتكز بالأساس مشروع تغيير احكام قانون 89، على تغيير صبغة كافة المؤسسات العمومية الى شركات خفية الاسم حتى يسهل فتح رأس مالها لشركاء خواص سواء كانوا محليين او اجانب وإحداث هيئة وطنية للتصرف فيها.
وبالتوازي مع ذلك تتكفل الهيئة الجديدة التي تعنى رسميا بمساهمات الدولة، بضبط تنظيمها الإداري والمالي وطريقة تسييرها والمقاييس المعتمدة للتعيينات فيها وتأجير مديريها العامين ومساعديهم وانتدابهم بالخصوص من بين “كفاءات” القطاع الخاص. كما تختص الهيئة بمهمة التصرف في إعداد استراتيجيتها، اضافة الى العمل على تحسين أدائها في إطار إعادة هيكلتها تحت مظلة تطوير مساهماتها في دفع أداء الاقتصاد لرفع تنافسيته وتجاوز الأزمة المالية التي تمر بها منذ عقود بعد أن عجزت عن لعب دورها في تنشيط الاقتصاد والتشغيل والمساهمة في الناتج الإجمالي الخام من خلال توفير القيمة المضافة والأرباح وتحولها إلى عبء على ميزانية الدولة بسبب تفاقم مديونيتها وخسائرها.
وتتخلى بذلك الدولة عن تحويل الدعم اليها بما في ذلك الدواوين والمؤسسات العاملة في ميدان المرفق العام والتزويد بالمواد الاساسية والمنتجات الطاقية الى جانب تكفل المساهمين الجدد من الخواص برسملتها واعادة هيكلتها ماليا وبشريا عبر برامج تتكفل في اطارها الدولة بديونها الراجعة اساسا للبنوك العمومية وذلك بالتوازي مع تسريح في سياق تشبيب العنصر البشري فيها.
وتنطوي هذه الخطة بالتأكيد على عدة مخاطر وذلك في ظل غياب مخطط تنموي يشمل هيكلة مؤسسات الدولة بشكل متكامل يضمن حقوق المجموعة الوطنية واسترجاع البنوك العمومية ديونها المستحقة لدى المنشآت العمومية ويقي من عواقب تكوين طبقة جديدة من مسيري الشركات الذين يُعيَّنون في اطار المحسوبية والمكافآت لتقاضي اجور ضخمة وغير مبررة على غرار ما يصرف للمديرين بالبنوك العمومية والتي لم يحسّن فتح رأس مال بعضها للخواص وضعيتها المالية الصعبة ويقيها من انهيار ملاءتها المالية وتصنيفاتها الائتمانية.
فرضيات الاصلاح
يناهز معدل الاجر الشهري الخام للموظف في المؤسسات العمومية حسب أرقام أصدرتها مؤخرا وزارة المالية في تقرير لها نحو 3700 دينار وتشغل هذه المؤسسات ما يقارب 100 ألف عون وإطار في حين تقدر مديونيتها تجاه الدولة والبنوك والصناديق الاجتماعية المزودين بأكثر من 30 مليار دينار بينما تصل قيمة دعم الدولة السنوي لها حوالي 8 مليارات دينار وتناهز خسائرها السنوية 9 مليارات دينار.
ويشكل التخفيف من كتلة الأجور في الشركات العمومية، احدى أهم الفرضيات المطروحة لإصلاحها، مما يعني تسريح عدد من العمال لتخفيف أعبائها، وهو ما يرفضه الاتحاد العام التونسي للشغل بشدة، رغم اهمية هذه الخطوة باعتبار ان جل اعوان هذه المؤسسات زائدون عن النصاب حسب نتائج عمليات التدقيق العديدة التي اجريت، في هذا الصدد.من جانب اخر، بينت العديد من التجارب الدولية المقارنة الناجحة ان التفويت في أسهم من رأس مال المؤسسات لفائدة اجرائها ومساهمين مرجعيين من القطاع الخاص من قطاعات بعيدة عن ميادين الريع والاحتكار، يشكل عموما انطلاقة قوية لهذه المؤسسات بما من شأنه الرفع في مستوى الاستثمار والإنتاج وضخ الأموال في رأسمال هذه الشركات، علاوة على تحسين الخدمات، مع المحافظة على هيمنة رأسمال الدولة فيها بسبب طبيعتها الاستراتيجية المتمثلة في توفير خدمات ذات طابع اجتماعي، سيما في مجالات النقل والطاقة. غير ان الحكومة التونسية لا تكشف بصفة واضحة ودقيقة عن الطريقة التي ستعتمدها للتفويت في مؤسسات القطاع العمومي، وما إذا كانت ترتكز قبل ذلك على إعادة جدولة ديونها أو إبرام اتفاق ما مع البنوك التي لها مستحقات كبرى عليها. وعموما وإن كان طرح أسهم للتفويت في البعض منها هو الاتجاه الغالب، فان الإشكال الحقيقي يتمثل في عدم تركيز الحكومة على وضع برنامج إصلاح شامل قبل ذلك يقوم أساساً على استرجاع المؤسسات العمومية توازناتها المالية بشكل يضمن فعليا مراجعة أدائها في الاقتصاد الوطني، وخلق منوال جديد يؤدي إلى لعب دورها التنموي في البلاد، إضافة إلى تحسين مردوديتها المالية. ولا يمكن أن يأتي ذلك الا في إطار سياسة قطاعية عمومية للرفع من مستوى التنمية، علماً أن عدداً من هذه المؤسسات يوفر مداخيل للدولة خلافاً لجزء منها تحول إلى عبء على الميزانية.